الاثنين، 3 نوفمبر 2008

رسالة الحقوق في الإسلام (علي بن الحسين )

في ذكرى وفاة حفيد النبي الأكرم(ص) الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام والتي تصادف اليوم الخامس والعشرين من محرم الحرام يعدُّ هذا التاريخ يوما عالمياً لحقوق الإنسان لأنّ الإمام زين العابدين عليه السلام قد سبق منظمة الأمم المتحدة في إصدارها للإعلان العالمي الأول لحقوق الإنسان بحوالي 1300 عام .
وكان علماء دين وحقوقيون قد نادوا إلى ضرورة الاستفادة من هذا التراث الإسلامي ودعوا المسلمين وكذلك جامعات القانون واللجان الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان إلى إجراء دراسة موازنة لـ "رسالة الحقوق" للإمام زين العابدين في قبال التشريعات المعاصرة.
ويقول الشيخ حيدر حب الله أن (1) من واجب علماء المسلمين ‏ومفكريهم أن يتصدوا لبلورة هذه الحقوق، ويظهروا مكنون الاسلام ومذخورة منها.. ليس فقط من اجل ان يدفعوا عنه ‏تهمه لانتقاصه بعض حقوق الانسان وسلبه لبعض حرياته التي يروجها المرعوبون من انتشاره وتوهج نوره يوما بعد يوم،وإنما أيضا من اجل ان يتيحوا للبشرية كافة إن تفيد من شريعته السمحاء وتتدارك بها اوجه الخلل والنقص في ما تشرعه ‏لنفسها وفقا لادراكها المحدود وتصوراتها النسبية الضيقة".
ويقول سماحة السيد محمد باقر المهري من الكويت إن "رسالة الحقوق" هذه " لو عمل العالم بها لعم الاطمئنان وشاعت في المجتمع روح التسامح والمحبة والمؤاخاة والتعايش السلمي وتقبل مختلف آراء الناس لان فيها مقومات الحياة الفاضلة التي كانت تنشدها الانسانية منذ فجر التاريخ والى هذا اليوم".(1)
ــــــــــــــــــــ
(1) انظر نقد المعرفة التربوية المعاصرة . علي أبو العينين مؤتمر نحو بناء نظرية تربوية معاصرة ط1،عمان ، الأردن .1411هـ ،ص166 .

فيما يصف سماحة الشيخ حسن العالي من البحرين رسالة الحقوق بأنها "تستهدف صناعة الإنسان على مختلف الأصعدة ، الإنسان الذات والإنسان المجتمع والإنسان الدولة". ويضيف أنه "إذا كانت نظريات حقوق الإنسان العالمية محاولة بشرية جديدة من أجل خلق مجتمع عادل ، فإن رسالة الحقوق التي ألفها الإمام السجاد (ع) شاهد قوي على أصالة الفكر الإسلامي وأسبقيته في رعاية حقوق الإنسان والدولة ، وعلى أن مدعيات أمريكا أو فرنسا أو أي دولة أخرى في أسبقية الغرب في هذا المجال ، كلام مجانب للحقيقة والتأريخ".(1)
وقد ترك الإمام زين العابدين (ع) إرثه الخالد "رسالة الحقوق" والذي جاء في عشرين صفحة تقريباً وضمَّن فيها حقاً من حقوق الإنسان وواجباته شملت تعامل الفرد مع خالقه ومع نفسه وجوارحه وأسرته وأقاربه وخصومه والكبير والصغير والمحتاج وحق محيطه ومجتمعه ودولته وأمته وحقوق أهل الأديان الأخرى .
الرؤية الإسلامية في قبال الرؤية الغربية لحقوق الإنسان ..
وفي دراسة موازنة أجراها سماحة الشيخ حسن العالي رأى أن النظرية الإسلامية لحقوق الإنسان كما توضحه رسالة الحقوق للإمام زين العابدين ورسالة الحقوق في نهج البلاغة للإمام علي (ع) أكثر تماسكاً وشمولية وأكثر استيعاباً من النظرية الغربية ، وأن هناك ثلاثة فروق رئيسة.(2)
ـــــــــــــــــــ
(1) نقد المعرفة التربوية المعاصرة . علي أبو العينين، المصدر السابق ، ص167.
(2) حقوق الإنسان في الإسلام ، زكريا البدري, دار الكلمة الطيب, القاهرة, 1997, ص7.





1- ترابط وتماسك الحقوق في الرؤية الإسلامية ..
وذهب إلى أن الفرق الأول هو أن منظومة الحقوق على وفق المنظور الغربي تغفل أي رابطة بين حق الإنسان و الحقوق الآخر. وهذا بدوره "أدى إلى أن تكون إنسانية في الحق وغير إنسانية في الأخلاق والمبدأ ، لأنها تقرر عنوان الحقوق مجردا عن علاقته بالنتائج المعنوية والروحية ". في حين أن رسالة الحقوق الإسلامية "تدور حول الله تعالى ، حيث يبدأ الإمام (ع) رسالة الحقوق بهذا النص الشريف (إن لله عليك حقوقا محيطة بك ) ، مشيراً إلى " أن الحقوق الإلهية لا تصوغ مجرد علاقة فردية بين الله والإنسان ، وإنما هي الأساس في الانطلاق لرعاية الحقوق الإنسانية عامة ، لإن الله جعل واسطة تتوسط بين الإنسان والقيام بالحق الإلهي ، وتلك الواسطة هي المحافظة على الحق الثابت لكل إنسان".(1)
و أوضح أن الرؤية الغربية تركز "على الإنسان وماله من حقوق من غير أن نعرف الارتباط بين حقوقه و الروحيات الإلهية ، بخلاف الرؤية الإسلامية التي تجمع الحقين وتجعل الحق الكبير متوقفا على الحق الصغير وملزما للإنسان على رعايتهما جميعا ، لأن تأدية الحق البشري يمثل المعبر الوحيد لتأدية الحق الإلهي
2- شمولية الحقوق في الرؤية الإسلامية
وأضاف أن هناك فرقاً آخر بين الرؤيتين الإسلامية والغربية. ويتمثل هذا الفرق في أن منظومة الحقوق في رسالة الحقوق تبدأ "من حق الله تعالى ، ومن الطبيعي أن يتفرع عليه حق أولياء الله ، ثم حقوق الجوارح في بدن الإنسان ، ثم حقوق الأفعال الخارجية ، ثم علاقة الإنسان بما حوله مما هو خارج عن ذاته ، فلا تبقى مِنْطَقة إلا ولها حق مشروع لا بد من تأديته والقيام بواجب شؤونه ".(2)
ـــــــــــــــــــ
(1) حقوق الإنسان في الإسلام ، زكريا البدري، المصدر السابق ، ص8.
(2) المصدر نفسه ، ص9.

وأشار إلى أن هذه الميزة "مفقودة في قانون حقوق الإنسان الغربي الذي يفترض الكثير من الفراغات" ، مضيفاً أن بعض الكتاب ذكروا "صورا من عدم الشمولية في الحقوق التي يقترحها النظام الغربي ،
3- المواثيق الدولية لحقوق الإنسان لا تتكلم ولا تعنى بعلاقة الدولة القوية بسواها من الدول الضعيفة ، ومنها أن مضمون حقوق الإنسان كما هو وارد في المواثيق الغربية والدولية يتكلم في حقوق المواطن لا حقوق الإنسان منفكا عن المواطنة ، فلا حرية للأجنبي ، وهذا تقييد في شمولية الحقوق".شمولية رسالة حقوق الإنسان . أن رسالة الحقوق يتجلى فيها الشمولية في لغتها لتنحل إلى مجموعة من الشموليات في جهات متعددة ، وهي شمولية التكليف ، شمولية المسؤولية وشمولية العدالة. وسنذكر كل فِقْرَة بشكل موجز :
1- شمولية التكليف
أمَّا عن شمولية التكليف فيقول الشيخ حسن العالي أن "التكليف شامل لكل ما يمكن أن يرتبط به الإنسان في الداخل والخارج من الأعضاء والناس" ، وأن ميزة هذا التكليف الإسلامي بالحقوق أنه ينبع من الأمر المولوي والجعل الإلهي على ذمة المكلف ، وهذا الأمر "يضفي على الحقوق المؤداة قيمة وقداسة تمنع المكلف من اختراقها والتفريط فيها لأنها أوامر الله والتفريط فيها تضييع لحق الله وخرقا لمولويته تعالى "، مشيراً إلى أن هذه الميزة مفقودة في المقررات الغربية لحقوق الإنسان.(1)

ــــــــــــــــــ
(1) الإسلام وحقوق الإنسان. ضرورات لا حقوق.محمد عمارة. القاهرة دار الشروق .1989ص12


2- شمولية المسؤولية
وأما بخصوص شمولية المسؤولية فهي كما يقول سماحة الشيخ العالي "تنبع من شمولية التكليف ومعناها أنه لا يوجد شيء أنت لا تملك المسؤولية اتجاهه ، لأنك مكلف اتجاه كل شيء " في حين المنظمات الحقوقية "تفترض مناطق كثيرة ليس للإنسان تكليف اتجاهها ، لان الحرية هي القاعدة ، فكل عمل يقوم به الآخر ما لا يزاحم الحرية المتعارفة فأنت غير مسؤول عنه حتى ولو كان انحرافا ، لأنه لا يزاحم وجودك وإن كان يزاحم روحيتك" .ويدعم هذا القول بمانسب للامام عليه السلام بهذا الخصوص (اتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ). (1)
وبخصوص شمولية العدالة فإن "العدالة ذات مستويات متعددة " و"قد يصل الإنسان إلى مستوى من المستويات ولكنه يفقد المستوى الآخر" إذ "قد يكون عدلا بالمعنى الاجتماعي والأخلاقي ولكنه ليس عادلا بالمعنى الفقهي والعرفاني".(2)
"إن رسالة الحقوق المأثورة عن الإمام علي بن الحسين (ع) ترتفع بالإنسان لتخطط له تخطيطا منطقيا لبلوغ كل مستويات العدالة ودرجاتها ، لأنها تبحث في حق النفس والجوارح والأفعال والصديق والعدو والمخاصم والمدعي وهكذا"، وأنها "الجديرة بصناعة الإنسان العادل بالمعنى الشمولي للعدالة في المستوى الفردي والأخلاقي والفقهي والعرفاني ، فإذا أدى حقوق النفس صار عادلا في الأخلاق ، وإذا أدى حقوق الآخرين كان عادلا اجتماعيا.. وهكذا إذا وصل إلى التمثيل للخلافة الإلهية فقد حاز العدالة العرفانية ". وهذا ماتفتقده الرؤية الغربية فمسعاها الحقوقي ينحصر في حدود الحالة الاجتماعية . واقول:
ــــــــــــــــــــ
(1) المرأة والعمل السياسي. رؤية إسلامية. هبة عزت. المعهد العالمي للفكر الإسلامي.1995 .ص 84
(2) ) الإسلام وحقوق الإنسان. ضرورات لا حقوق.محمد عمارة، المصدر السابق ، ص14.
إنه بناء ا على الرؤية الغربية لا يمكن أن نصل بالإنسان حتى للعدالة الاجتماعية ، وذلك لأن الذي لا يكون عادلا مع نفسه وأخلاقه الفردية لا يُرْجَى منه أن يكون عادلة وأمينا على حقوق الآخرين
ويوجد تغافل الأنظمة الاسلامية عن النظرة الاسلامية للحقوق ودعوة الأمم المتحدة للاستفادة من التراث الاسلامي الأنظمة الإسلامية ،على وفق مايفرضه الواقع ميالة ، لـ " نظريات الغرب في مجالات النهوض بالحضارة المتوازنة ، في الوقت الذي يعج التراث الديني قرآنا ورواية بمجموعة وافرة من القوانين التي لم تهمل أي جانب من جوانب الحياة والسلوك العام".(1)
وسبق للأمم المتحدة أن دعت في التقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم الدول العربية والذي صدر في عام 2002م إلى اتخاذ جد الامام زين العابدين الإمام علي بن أبي طالب (ع) مثالاً لتشجيع المعرفة وتأسيس الدولة على مبادئ العدالة. وقد احتوى التقرير المذكور الذي اشتمل على اكثر من مائة وستين صفحة على ست نقاط رئيسة أوصى بها الإمام أمير المؤمنين قبل ألف عام وبين مثلت العدالة والمعرفة وحقوق الإنسان. (2)
وقد جاء في هذا التقرير انتقاداً إلى الدول العربية ، ونص على "أن الدول العربية لا تزال بعيدة عن عالم الديمقراطية ومنح تمثيل السكان، وعدم مشاركة المرأة في شؤون الحياة، وبعيدة عن التطور وأساليب المعرفة" وحث هذه الدول على الاستفادة من وصايا الإمام علي (ع) في إدارة وتطوير الدول العربية.
صور من كلمات أمير المؤمنين كما جاءت في التقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم الدول العربية والذي صدر في عام 2002م
ـــــــــــــــــــ
(1) إشكالية حقوق الإنسان ضمن الوضع العربي الراهن,حميد مجدي, مرجع سابق ، ص5.
(2) الإسلام وحقوق الإنسان. ضرورات لا حقوق.محمد عمارة، المصدر السابق، ص15.

ليست هناك تعليقات: